يقال إن لكل شيء نصيبا من اسمه، وهذا دافع لمعرفة العلاقة بين الآداب والأدب كقيمة خلقية، ولقد ورد أن الآداب هي: ثروة الأمم الفكرية والحضارية التي تصنع مجتمعًا بشريّا تسوده..
يقال إن لكل شيء نصيبا من اسمه، وهذا دافع لمعرفة العلاقة بين الآداب والأدب كقيمة خلقية، ولقد ورد أن الآداب هي: ثروة الأمم الفكرية والحضارية التي تصنع مجتمعًا بشريّا تسوده قيم الخلق والأدب والخير والحق؛ لذا يحسن سرد أهم ما سطره الشعراء في تناولهم للقيمة الحقيقية للأخلاق في حياتنا. وما من شك أن هزيمتنا السياسية الفاجعة اليوم، بالإضافة لتدهور مستوانا العلمي والفكري والحضاري ..
هي في حقيقتها أزمة خلق وأدب، أزمة القيم التي بات مجتمعنا الإسلامي يفتقدها بشده في الوقت الراهن، ربما لأننا أقمنا هذا الحاجز الضخم بين الدين والدنيا. ويمكن أن نفهم هذا المعنى الحقيقي من خلال قول شوقي رحمه الله :
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
حقًا، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وذبحوا وهزموا شر هزيمة. ولنتأمل قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق "، وثناء الله تبارك وتعالى على نبيه أعظم الثناء بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم".
فأما عن أهم ما أنتجته قرائح الشعراء، فسنتخير منها بعض الأبيات التي تدل على مدى أهمية الأخلاق عند القوم وفي حياة الأمم .
فهذا صردر يؤكد على أن الحُسن يقاس بالخلق أولًا فيقول :
شمائل وبهجة موموقة ... والحسن بالأخلاق ثم الخِلَق
كما لا ننسى قول الشاعر :
فأدب النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
أما صفي الدين الحلي فيزيد على ما تقدم: أن المرء إذا لم يقم منزلته الأدبية في المجتمع على الأخلاق، كان بناؤه واهي الأساس، فقال :
إذا عدم الفتى خلقا جميلا ... يسود به، فلا خُـلق الجمال
ويلمح أبو العتاهية إلى أهمية مكانة الأخلاق في صون الشرف فينشدنا :
هي الأعراق بالأخلاق تنمو ... بقدر أصولها تزكو الفروع
ثم ياتي المعري ليعلن تفضيله للأخلاق على تيجان الملوك فجدير بنا أن نقول معه :
أُسَرٌ إن كنت محمودًا على خلقٍ ... ولا أسر بأني الملك محمود
ما يصنع الرأس بالتيجان يعقدها ... وإنما هو بعد الموت جلمود
و بالرغم مما هو معروف عن تفاخر العرب بأنسابهم، إلا أن بعضا من شعرائهم رأوا أن للأخلاق رابطة اجتماعية قد تفوق رابطة النسب، فهذا البحتري يقول :
كم سري تقبل السرو منهم ... واشتباه الأخلاق عدوى وإلف
و ربما ذهب أبعد من هذا بقوله :
إذا تشاكلت الأخلاق و اقتربت ... دنت المسافة بين العجم و العرب
وهو تأكيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
أما أبو تمام فتفوق صلة الأخلاق عنده صلة النسب في متانتها؛ لذا فقد رثى غالبا الصفدي بأشد ما يرثي الأخ أخاه فقال :
قلت أخي، قالوا أخ من قرابة؟ ... فقلت نعـم .. إن الشكول أقارب
نسيبي في عزم ورأي ومذهب ... إذا باعدتنا في الأصول المناسب
والعجيب أن غالبية الشعراء ذهبوا (وإن كان في هذا نظر) على القول بغلبة الطبع على التطبع، ومن ثم استحالة تغيير الخلق واكتساب أخلاق جديدة حميدة. و نورد في هذا الصدد قول ابي العتاهية الشهير:
كل امرئ متفرد بطباعه ... ليس امرؤ إلا على ما يطبع
كما أن العرب اعتبروا عامل الوراثة هو الأهم في تكوين الأخلاق، واستدل أصحاب هذا القول بقول زهير بن أبي سلمى:
فما يك من خـير أتوه فإنما ... توارثه أباء أبائهم قبـل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجة ... وتغرس إلا في منابتها النخل؟1
و قول التميمي :
أرى كل عـود نابتـا في ارومة ... أبى نسب العيدان أن يتغيرا
بنوا الصالحينَ الصالحونَ ومن يكن ... لآباء سوء يلقهم حيث ســيٌرا
و قول النجاشي :
خلائق فينا من أبينا وجدنا ... كذلك طيب الفرع ينمي على الأصل
أما النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى، فيقول بإمكانية تغير الطباع واكتساب الأخلاق الفاضلة، فيقول صلى الله عليه وسلم: " إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم". مما يعني إمكانية تغيير الطبع و السلوك .
و قد ورد على ألسنة الشعراء إمكانية اكتساب الخلق الحميد؛ شريطة وجود القدوة الحسنة، وأشاروا إلى أهمية عامل التربية والتأديب، وأكدوا على ان الوازع الديني هو الوحيد القادرعلى إحداث تغير تام وتأثير ملموس في خلق الإنسان، كما يدل على ذلك قول الحكم بن عبدل :
لم أجد عروة الخلائق إلا الـ ... دين، لما اعتبرت، و الحسبا
ولا ننسى قول الطائي :
فجاور كريما واقتدح من زناده ... وأسند إليه أن تطاول سلما
وورد للبحتري قول يؤكد فيه بأن الأخلاق تتأثر بالعشرة، ففى مزاحه لأحد أقرانه يقول :
أنت أعديته بحب سعاد ... وكريم الأهواء يعدي الكريما
أما ابن التعاويذى، فقد حذر من سوء القدوة الذى يؤدي إلى التطبع بأخلاق المقتدي به فأنشد بيته الشهير :
إذا كان رب البيت بالدف مولعا ... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
واختلف الشعراء في وسائل التأديب، و لكنهم اتفقوا على أن الحر يكفي لتأديبه الترغيب والعتاب، أما العبد فلا ينجع فيه إلا الترهيب، فقد جاء في قول ابن دريد :
واللوم للحر مقيم ورادع ... والعبد لا يردعه إلا العصا
وقال بعضهم :
العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الإشارة
كما أجمع شعراء العرب على ضرورة التهذيب منذ الصغر و منه قول ابن قريع :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها - كهلا - عليه شديد
كما ورد فى الشعر العربى أنه يصعب على المرء إخفاء عيوبه، ولزهير بن أبي سلمي بيت شهير يقول فيه :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
كثيرة هي القصائد التي تشيد بالقيم الخلقية، وليس يتسع المجال هنا لحصرها، ولكن إن فاتك فلا يفوتنك قول الإمام الشافعي في جهاده لنفسه من أجل أن تحظى بالخلق الطيب:
إذا سبني نذل تزايدت رفعـة ... وما العيب إلا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي علي عزيزة ... لمكنتها من كل نذل تحاربه
وقوله :
يخاطبني السفيه بكل قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلمـا ... كعود زاده الإحراق طيبا
ونختم بأحسن الكلام، كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم أو كما قال: " أكثر ما يثقل ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق" .و قوله: " أفضل الناس إيمانا، أحاسنهم أخلاقا ".
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية